-A +A
خالد نايف الهباس
غالباً ما يتم التأكيد على دور المؤسسات السياسية في صنع السياسة وتنفيذها, بالتالي يتضاءل دور العوامل الأخرى كمؤثرات في العملية السياسية والتأثير على مخرجاتها. لكن ذلك قد لا يكون القاعدة, وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي وعملية صنع القرار, تلعب أحياناً العوامل الإيديولوجية والشخصية دوراً كبيراً في التأثير على السياسات التي تتبعها الدول.
ولعل من الأمثلة على ذلك ما حدث الأسبوع قبل الماضي في القمة العربية في الكويت, وأيضاً ترسيم الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة الأمريكية, باراك أوباما. فكل من هذين الحدثين يحمل في طياته مضامين تتجاوز الجانب السياسي المعتاد إلى الجوانب الشخصية, حيث يكون للتكوين الشخصي والكارزمي للشخص دور في التأثير على الفعل السياسي. فمن الواضح أن للمصداقية التي يحظى بها العاهل السعودي دوراً كبيراً في إنجاح القمة العربية التي عقدت في الكويت وتجاوز الخلافات التي عمقت من الفرقة العربية. وفي تصوري أنه لا أحد من الزعماء العرب يحظى بنفس القدر من المصداقية والقبول لدى الشارع العربي, أو حتى لدى القادة العرب الآخرين, لدرجة تجعله محل إجماع وكلمته محل سماع من قبل الآخرين, الذي يحظى به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
والشاهد على ذلك قدرته على قلب التوقعات ومفاجأة الجميع من خلال خطابه المثير الذي قاد إلى تنقية الأجواء العربية في وقت أصاب المواطن العربي اليأس من الحكومات العربية, وخيمت غيوم الإحباط على الشارع العربي, خاصةً في ظل التهديد الواضح للمصالح العربية العليا المتمثلة في المقام الأول بالعدوان الإسرائيلي البغيض على غزة الأبية, ومحاولات بعض الدول الإقليمية امتلاك زمام المبادرة وقيادة دفة السياسة الإقليمية في المنطقة العربية. مثل هذه الزعامات قد لا تتكرر كثيراً, ووجودها في المشهد السياسي أمر يقود للتفاؤل, ويعطي للشارع بصيصاً من الأمل في دفع عجلة التعاون والتفاهم بين الشعوب.
الحدث المثير الآخر تمثل في استلام باراك أوباما مقاليد السلطة في أقوى دولة على وجه الكرة الأرضية في الوقت الحاضر. والحقيقة أن الرئيس الأمريكي الجديد يؤرخ لحقبة جديدة في السياسة الأمريكية؛ سواءً كونه أول رئيس من أصل أفريقي (هجين) يصل للبيت الأبيض, أو كونه يأتي في مرحلة حرجة في تاريخ الولايات المتحدة نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يتعرض لها الاقتصاد الأمريكي والفشل الواضح والصريح لسلفه في مجال السياسة الخارجية, أو كونه صاحب شخصية لامعة وجذابة, ولديه قدرة خطابية واضحة. وهو في الحقيقة دائماً ما يبحث عن العبارات التي يمكن تسجيلها في التاريخ الأمريكي كمؤشر على فترة جديدة وفكر جديد, مثل خطاب الفوز بالانتخابات الذي أطلقه من شيكاغو وعنونه «نعم, نستطيع» Yes, We Can. ومن المرجح أن يتولى الرئيس بنفسه الإشراف على الكثير من السياسات والملفات والتحديات التي سوف تواجهه, وهذا بحد ذاته أمر مطمئن, لأن سلفه ترك السفينة تغرق بمن فيها من خلال جهله وعدم قدرته القيادية, مما جعل صنع القرار الحقيقي يكون في أيد متطرفة, لها أجندة بغيضة ثبت فشلها وعدوانيتها, ودفع العالم ثمن ذلك, بما فيها الولايات المتحدة نفسها التي عانت من نتائج هذه السياسات العقيمة.
الرئيس الأمريكي الجديد ليس كأي رئيس في العالم, ويتوقع منه الكثير في ما يخص بلده والعالم أجمع. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص: إلى أي مدى تستطيع شخصية أوباما الكارزمية التغلب على دهاليز السياسة الملتوية في واشنطن؟ وهل بإمكانه تحقيق قدر معقول من وعوده البراقة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية؟ نحن لا نتوقع أن يحقق كل ما تعهد به, لكن نأمل أن يكون لفكره ونهجه أثر واضح على عملية صنع القرار في واشنطن, لأن ذلك مدعاة للتخفيف من الاحتقان العالمي الذي تسبَب به سلفه الغابر.
knhabbas@hotmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 145 مسافة ثم الرسالة